تتفق الآراء التربوية على أهمية مرحلة الطفولة في بناء شخصية الإنسان المستقبلية، فإذا ما إعترى تربية الطفل أيَّ خلل فإن ذلك سيؤدي حتمًا إلى نتائج غير مرضية تنعكس سلبًا على الفرد والمجتمع معًا، ومشكلة الخجل التي يعاني منها بعض الأطفال يجب على الوالدين والمربين مواجهتها وتداركها، فكثير من الأطفال يشبّون منطوين على أنفسهم، خجولين، يعتمدون إعتمادًا كاملاً على والديهم، ويلتصقون بهم، لا يعرفون كيف يواجهون الحياة منفردين، ويظهر ذلك بوضوح عند بداية إحتكاكهم بالعالم الخارجي كالمدرسة والنادي والشارع.
الطفل الخجول يقول عنه الأطباء أنّه طفل لديه حالة عاطفية وإنفعالية معقدة تنطوي على الشعور بالنقص، وهو طفل متردد في قراراته منعزل، وسلوكه يتسم بالجمود والخمول، وينمو محدود الخبرة لا يستطيع التكيف مع الآخرين.
وتُعدُّ الوراثة أحد الأسباب الرئيسية لولادة طفل خجول، ومن الأسباب الرئيسية أيضًا:
* الأطفال الذين يعانون من حرمان لإحتياجاتهم الأساسية مثل المأكل والمشرب، مكان النوم الملائم -المسكن-، سوء التغذية، وسوء العلاج الصحي أو الطبي.
* الحرمان العاطفي: كغياب الحنان والدفء والتعامل الرحيم مع الطفل ووضعه في أولوياتنا عدم الرضاعة، أم تتكلم في الهاتف وتطعم إبنها بالقنينة من بعيد، إطعام الأم لطفلها وفي يدها سيجارة، فمن الضروري مخاطبة الطفل وإشعاره بالإرتباط النفسي والمعنوي، خاصة في حالة إعطائه وجبة غذائية أو تبديل ملابسه، فالطفل لديه القدرة على تخزين هذه المضامين فيعكسها في مرحلة يكون فيها قادرًا على الحديث والتكلم.
* الحرمان التربوي: ونقصد هنا ضرورة تحضير الجو المناسب والمستلزمات المناسبة للطفل لتنميته فكريًّا وعقليًّا مثل الألعاب، وضرورة وجود الوالدين فترة معينة خلال اليوم مع الطفل لإكسابه معايير تربوية جديدة.
* مخاوف الأم الزائدة في حماية أطفالها: فهذه المخاوف تساعد في نمو صفة الخجل في نفسية أبنائها، حيث ينشأ الأبناء ولديهم خوف من كل ما يحيط بهم سواء في الشارع أو مع الأقران، ويتولد لديهم شعور أنّ المكان الآمن الوحيد لهم هو وجودهم بجوار الأم.
* عيوب الطفل الجسمية أو المادية: مثل قصر القامة، أو هزال الجسد، أو ضعف السمع، أو السمنة المفرطة، أو قلة المصروف كلها أمور تؤدي إلى إصابة الصغار بالخجل في مواجهة الآخرين.
* التدليل المفرط من جانب الوالدين للطفل: كعدم سماح الأم لطفلها بأن يقوم بالأعمال التي أصبح قادرًا عليها، إعتقادًا منها أن هذه المعاملة من قبيل الشفقة والرحمة للطفل، وعدم محاسبتها له حينما يفسد أثاث المنزل، وهذه المعاملة المتميزة والدلال المفرط للطفل من جانب والديه بالطبع لن يجدها خارج المنزل، سواء في الشارع أو الحي أو النادي أو المدرسة، فغالبًا ما يؤدي ذلك إلى شعور الطفل بالخجل الشديد، خاصة إذا قوبلت رغبته بالصد وإذا عوقب على تصرفاته بالتأنيب والعقاب والتوبيخ.
* أكثر فئة من الانطوائيين، الأطفال الذين يعانون حالات التنكيل الجسدي، والنفسي، والجنسي، وحالات الإهمال، هذه الفئة أكثر تعرضًا لهذه الظاهرة وخاصة الأولاد المعنفين جنسيًّا.
ويمكننا أن نقي أطفالنا من مشاعر الخجل والإنطواء على الذات من خلال إتباع التعاليم الآتية:
ـ توفير جو هادئ في المنزل بعيدًا عن التوتر وعدم تعريضهم للمواقف التي تؤثر في نفوسهم وتشعرهم بالقلق والخوف وعدم الإطمئنان، ويتحقق ذلك بتجنب القسوة في معاملاتهم، وبتجنب المشاحنات والمشاجرات التي تتم بين الوالدين.
ـ يتحتم على الآباء أنّ يوفروا لأولادهم الصغار قدرًا معقولاً من الحب والعطف والحنان، وعدم نقدهم وتعريضهم للإهانة أو التحقير، وخصوصًا أمام أصدقائهم أو أقرانهم، لأنّ النقد الشديد والإهانة أو التحقير -وخصوصا أمام أصدقائهم- يُشعِر الطفل بأنّه غير مرغوب فيه، ويزيد من خجله وانطوائه.
ـ إبتعاد الأبوين عن إظهار قلقهما الزائد علي أبنائهما، وإتاحة الفرصة أمامهم للإعتماد علي أنفسهم، ومواجهة بعض المواقف التي قد تؤذيه بهدوء وثقة، فكل إنسان -كما يؤكد علماء النفس- لديه غريزة طبيعية يولد بها تدفعه للمحافظة على نفسه وتجنب المخاطر، وبالتالي فهو يستطيع أن يحافظ على نفسه أمام الخطر الذي قد يواجهه بغريزته الطبيعية.
ـ تعويد الطفل على الحياة الإجتماعية سواء بإستضافة الأقارب في المنزل، أو إشراكه في ألعاب جماعية، أو مصاحبتهم لآبائهم وأمهاتهم في زيارة الأصدقاء والأقارب، أو الطلب منهم برفق أن يتحدثوا أمام غيرهم، سواء كان المتحدث إليهم كبيرًا أو صغيرًا، وهذا التعويد يضعف في نفوسهم ظاهرة الخجل ويكسبهم الثقة بأنفسهم.
وإليك عزيزتي الأم خاصة:
¤ إمتدحي كل إيجابياته الإجتماعية كمساعدته لأحد إخوته، أو اللعب معهم، أو حين يبدأ في الحديث مع الآخرين.
¤ حاولي أن تدرِّبيه كيف يثق بنفسه من خلال التحدث عنه أمام الآخرين بفخر وإعزاز، واتركيه يتصرف في شئونه بطريقته دون أن تُمْلي عليه ما يجب أن يفعل.
¤ لا تتدخلي لتدافعي عنه في المواقف الخلافية بينه وبين أخوته، بل دعيه يتصرف من تلقاء نفسه، حتى لو تعرَّض إلى الضرب، والحالة الوحيدة التي يمكنك التدخل فيها إذا كان هناك خطر ما يتعرَّض له أحد المتشاجرين.
¤ شجِّعيه على ممارسة أي نوع من أنواع الرياضة، فهذا يمنحه لياقة بدنية، فيزداد ثقة بنفسه.
¤ شجِّعيه -في بعض الأحيان- على اللعب مع بعض أقاربه أو جيرانه أو زملائه بالمدرسة الأصغر سنًّا -أصغر بسنة أو سنتين فقط بحد أقصى-، حتى يتعلم القيادية لا التبعية.
¤ حاولي أن تمثلي مع أولادك لعبة الضيوف، كلٌّ له دور، ومن خلال هذه اللعبة يمكنك أن تعلِّمي ابنك كيف يحسن التصرف سواء كان ضيفًا أو مضيفًا.
¤ عليك أن تتركي للطفل الحرية في إختيار أصدقائه وطريقة لبسه حتى في حالة عدم موافقتك على هذه الطريقة.
الكاتب: د. خالد سعد النجار.
المصدر: موقع قصة الإسلام.